
د. منى حلمى
عندما تنعدم ثقافة الإنصات الودود إلى جميع الآراء، يهجر الوطن الأرض والسماء والشجر..
تختفى البلابل والكروان، ويحتجب ضوء القمر.
■ حينما يتلقى الناس فى وطنى السب والقذف والرصاص، لأنهم يريدون العدل مصدرا رئيسيا للحكم، ويريدون أن تصبح شريعة عدم التمييز أساسا لجميع السلطات، ينسحب الغناء من أروقة الحناجر، ويصبح البلسم مثل طعنة الخناجر، وتختبئ الورود فى ساحات المقابر.
■ عندما تعيش مصر، يوما بيوم، لحظة بلحظة، تقتات خبز الصباح ولا تدرى إن كان خبز المساء فى المتاح.. لا تعرف للغد اسما أو شكلا أو خارطة أو ملمحا يتململ الخير داخل القلوب.. طمأنينة النفس تذوب.. وتبدأ البحار فى النضوب.
■ لا أعتقد أن الرذائل ترتبط بما يدخل الفم.. ولكن بما يخرج منه.. وهذا كفيل بأن يجعلنا نتوقف كثيرا تجاه موقفنا من الأخلاق، وبالتالى ينعكس ذلك فى تغيير نظرتنا إلى أخلاقنا وأخلاق أنفسنا.
■ إذا طالبنا الوطن أن نهجر ثقافة الشك، فهذه هى أولى خطوات التدهور الخلقى وهى بداية الانحدار الحضارى.
لقد قام التقدم الحضارى على أساس إبداء الشك فى كل الموروثات وجميع الأشياء والموجودات. وكل التقدم الإنسانى ليس إلا قصة البشرية التى لا تسلم بالبديهيات ولا تعترف بالمسلمات.
وجوهر الإبداع فى كل مجال هو تشغيل العقل المتسائل الناقد المتمرد الثائر.
ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن «الشك» هو الوجود الإنسانى.. أنا أشك إذن أنا موجود.. أنا أشك إذن أنا أرفض موقف الطاعة والتبعية والخمول العقلى.
■ الوطن أو الحرية أيهما أختار؟ إذا سئلت هذا السؤال سوف أقول إن الوطن والحرية عندى مترادفان. لكننى إذا خُيرت سوف أختار الحرية.
■ ما يحدث مؤخرا على أرض الوطن من حرائق وأعمال تخريبية وسرقة وإطلاق رصاص ونهب شقق وأراض وعنف تعقبه الدماء واعتداءات على الناس فى كل مكان ليس كله -فى اعتقادى- من فعل البلطجية.. لكن بعضا منها متعمد ومخطط ومدبر، من قبل جماعات وتيارات سياسية محلية وإقليمية ودولية، تحكمها مصلحة واحدة فى محاصرة هذا الوطن بالفوضى الدائمة، وإشاعة الذعر والإرهاب وقتل أى أمل قبل ولادته.
دعونا نفكر بالعقل وفى تأنٍ من له مصلحة أكيدة ومستمرة فى تعثر هذا الوطن إلى أجل غير مسمى؟
■ «فتش عن المرأة».. كانت هذه هى النصيحة لكل من يريد فك ألغاز موقف معين، أو الوصول إلى الحقيقة فى موضوع محدد، أو حسم الغموض والبلبلة والحيرة التى تلتف حول قضية ما.. جريمة ما.. سر ما.
أعتقد أننا الآن قد وصلنا إلى مرحلة جديدة للبحث عن حقيقة الأشياء، والتى لا تفتش عن «المرأة» ولكن عن «الفلوس».
«فتش عن المال» أو Follow the Money هو المانشيت الرئيسى للحضارة العالمية الحاكمة بأمرها.
«فتش عن المال» أو Follow the Money هو الخريطة الصواب الآمنة المضمونة المجربة المدعومة لكل من يريد الوصول إلى أى مكان فى العالم. وبما أن وطنى هو جزء من العالم تكون تلك الخريطة هى تأشيرة الدخول إليه واكتشاف جميع أسراره.
■ ما معنى أن أحبك يا وطن؟ وما الفرق أن أحبك أنا؟ وأن تحبك أخرى منتمية إلى الإخوان أو إلى السلف أو إلى الناصرية أو إلى الشيوعية؟ أعتقد أن عليك يا وطنى أن تضع معايير لحب الوطن.
وأقول هذا لأننى ألاحظ وبسبب الانتخابات، وما تشهده يا وطنى من تغييرات تشريعية ودستورية وبرلمانية، أن جميع اللاعبين يزايدون على «حب مصر».
الكل يزعم أنه المرشح الوحيد الذى سوف يجلب الخير لمصر.. وأنه المرشح الوحيد الذى يحترم إرادة مصر.. وأنه المرشح الوحيد الذى يراعى تقاليد مصر.. وأنه المرشح الوحيد الذى يفهم طموحات مصر.. وأنه المرشح الوحيد الذى فى جيبه أوراق الفوز لمصر.
وقد رأينا كيف استقبلت التيارات المختلفة وثيقة المبادئ الدستورية.
تحالف البعض لتغيير بعض المواد.. وهدد البعض بالمظاهرات المليونية.. والبعض اتهم وقال إن الوثيقة «مشبوهة». مع أن هناك اتجاهات كثيرة وعديدة -تشكل أيضا الوطن- قد قامت بوضع الوثيقة بعد الكثير من اللقاءات.
من إذن يمكن أن يحسم مسألة «حب الوطن»؟ والعمل من أجل صالحه؟
كيف يمكن أن أغلب طريقة «حب للوطن» على طريقة أخرى، إن لم يكن عندى مسطرة لقياس هذا الحب؟
وأعتقد أن العدل والعقل والنزاهة تقتضى أن الوطن نفسه هو أفضل من يضع هذا المقياس. ولأن هذا المقياس غائب فإننا نلف وندور فى شكليات وبديهيات وقضايا انقرضت مثل الديناصورات. وسوف نظل هكذا تائهين حتى توضع بنود شجاعة لا تخاف القيل والقال، ولا تمسك العصا من المنتصف، تترجم «حب الوطن» إلى ضوابط يحكمها العقل السليم الذى يتفاعل مع القرن الحادى والعشرين.
■ كل الأشياء الحقيقية بالضرورة جميلة… حتى الحزن على وطنى «جميل» لأنه نابع من حزن عيونى.. وهو امتداد لطول قامتى.. ونبيل مثل استحالة أحلامى.
من واحة أشعارى
أيظنون أنهم
أسكتوا العصافير؟
أيظنون أنهم
كتبوا الدساتير؟
أيظنون أنهم
من رواد التغيير؟
لا يا وطنى
أنت أكبر بكثير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أكتب تعليقك غير مطلوب أي بيانات أو حتى أيميل